الزواج يحرم صغيرات موريتانيا من الدراسة

(نقلا عن العربي الجديد) مع بدء العام الدراسي في موريتانيا، اكتشفت الطالبات غياب عدد من رفيقاتهن، ليتضح لاحقا أن سبب غياب الطالبات هو دخولهن القفص الذهبي في عطلة الصيف، لتقضي زيجات الصغيرات على أحلامهن بمواصلة الدراسة، ويتحولن من طالبات علم على مقاعد الدراسة، إلى ربات بيوت في سن مبكرة.

فاطمة بنت الخرشي (14 عاما، طالبة) بحثت مطولاً عن رفيقة دراستها، الغالية بنت الهيبة، بين الطلاب وعلى لوائح التسجيل للعام الجديد ولم تعثر لها على أثر، إلى أن أخبرتها صديقة مشتركة أن زميلتهم تزوجت في العطلة الصيفية، ورحلت إلى مدينة النعمة شرقي البلاد.

تقول فاطمة لـ « العربي الجديد »: « فقدت اثنتين من صديقاتي العام الماضي. وها هي الغالية ترحل بالطريقة نفسها، الغالية كانت مجتهدة وتحلم بأن تصبح مهندسة لتعيد بناء قريتها، التي تهدمت بسبب السيول العام الماضي ».

ويشكل التسرّب المدرسي في صفوف البنات ظاهرة تؤرق الباحثين الاجتماعيين، الذين يلقون باللائمة على العادات والأعراف، التي تشجّع الطالبات وعائلاتهن على الزواج أكثر مما تشجعهن على الاستمرار في الدراسة.

يقول مدرس اللغة العربية، عبد الله ولد خليهن: « المجتمع يسأل الفتاة وعائلتها عن الخطيب أكثر مما يسأل عن المستوى الدراسي، الذي وصلت إليه. العادات المتوراثة ما زالت تتحكم في مصير الفتيات، وتحدد مستقبلهن بشكل كبير، حتى أن الطالبة الموريتانية فقدت الإحساس بأهمية المدرسة، بسبب الضغط الاجتماعي، الذي يؤثر سلبا على طالبات واعدات بإمكانهن تحقيق الكثير قبل الزواج، والأطر التربوية تقف حائرة أمام هذا الهدر المدرسي، الذي يرفع نسبة الأمية والبطالة ويقضي على السياسات المتبعة في إصلاح قطاع التعليم ويفرغ المدرسة من كل محتوى ».

ويشير المدرس، الذي عمل سنوات في المدارس الريفية، إلى أن « الانقطاع عن الدراسة منتشر في أوساط الطالبات في المناطق الشرقية والجنوبية، والعذر الذي تتذرع به العوائل هو تقدم عريس لخطبة الفتاة، ويؤكد أنه لا العمر ولا التفوق الدراسي يقفان مانعا ضد تنفيذ رغبة العوائل وتزويج الطالبة، لأن الوسط الاجتماعي يعتبر الزواج أفضل من الدراسة ».

ويطالب بقوانين توقف الهدر المدرسي وترفع السن القانونية للزواج، إضافة إلى توعية الناس بخطورة وقف تعليم بناتهن عليهن وعلى المجتمع، معتبراً أن غياب التواصل بين المدرسة وأولياء الطالبات يساعد على انتشار الظاهرة بشكل أكبر ويقف حاجزا أمام حلّ المشاكل، التي تواجهها الطالبات داخل المدرسة وخارجها.

أرقام مزعجة.. وتكلفة مجتمعية
وحسب إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التعليم فإن نسبة التسرب المدرسي في صفوف الطلاب من الجنسين تترواح ما بين 33 في المائة إلى 50 في المائة في المرحلة الابتدائية، وتصل إلى 40 في المائة في الإعدادية والثانوية. ويرتفع الغياب والتسرّب في صفوف الإناث إلى مستويات قياسية مقارنة مع الذكور، بينما يؤكد الباحثون أن الإحصاءات الرسمية لا تعكس الواقع، وأن شهادات المدرسين والجولات الميدانية التي تنظمها بعض الجمعيات ضد الزواج المبكر تؤكد أن نسبة المنقطعات عن الدراسة مرتفعة.

وتعكس هذه الأرقام فشلا ذريعا في تطبيق سياسة إجبارية تمدرس الأطفال، كما أنها تضع موريتانيا في مؤخرة الدول المغاربية من حيث الحرص على إبقاء الأطفال في المؤسسات التعليمية. ويعتبر الأطفال القرويون أكثر ضحايا الانقطاع المدرسي، حيث تبلغ نسبتهم 82 في المائة من مجموع التلاميذ المنقطعين عن المدرسة، بينما تبلغ نسبة الفتيات 74 في المائة، ويشكل الزواج أحد الأسباب والمغريات الرئيسية للانقطاع عن الدراسة، يليه العمل.

وينتقد الباحث، محمد ولد معطى الله، إثارة موضوع انقطاع وتسرب التلاميذ من النظام المدرسي فقط عند بداية العام الدراسي، ويعتبر أن مناقشة الموضوع باتت ضرورة ملحّة لإنقاذ الأطفال، الذين يجدون أنفسهم خارج الأقسام التعليمية بسبب سلبية المجتمع والعادات القديمة وتأثير الظروف الاقتصادية.

ويرى أن الهدر المدرسي له تكلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية، على الجميع أن يساهم في وقف هذا النزيف المستمر والمتزايد كل عام.

ويضيف أن التسرب المدرسي المبكر، بداعي الزواج، هو نتيجة للواقع المتردي، الذي تعيشه النساء، خصوصاً في المناطق النائية، فالعوائل لا تدرك أهمية الاستمرار في التعليم، أو ليست لديها القدرة على تحمل مصاريف الدراسة، فتسلك أقصر الطرق بقبول تزويج الفتاة، مطالبا بحملات ضد الزواج المبكر، ونشر التوعية بأهمية الاستمرار في التعليم.