البرنامج الوطني لتطوير قطاع التعليم في موريتانيا، أي نتائج؟
احتضنت وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية يوم الجمعة 16/10/2015 بالعاصمة نواكشوط اجتماع القطاعات المعنية بالتعليم مع شركاء موريتانيا في مجال التعليم في إطار المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتطوير قطاع التعليم في موريتانيا. وتغطي المرحلة الثانية من هذا البرنامج الفترة ما بين 2011 و 2020. وكانت مرحلته الأولى (2002-2010) التي أكملت سنواتها العشر في نوفمبر 2009 تهدف إلى (ا) تحسين نوعية ومقاصد عملية التعليم والتعلم في جميع مستويات نظام التعليم؛ (ب) تيسير المزيد من الوصول وتعزيز المساواة بين المناطق وبين الجنسين، وخاصة في التعليم الأساسي والثانوي؛ (ج) زيادة فعالية نظام التعليم عن طريق تعزيز علاقات أوثق بين التكوين الفني والمهني والتعليم العالي من جهة والطلب في سوق العمل من ناحية أخرى؛ (د) زيادة القدرة على التسيير الإداري والفني والتربوي والمالي لكل من الفاعلين وللنظام ككل.
أما المرحلة الثانية فترمي إلى تحسين نوعية التعليم وأهميته؛ والمزيد من تطوير وصول واسع على مستوى قاعدة النظام ومنتظم في مستوياتها العليا، وتحسين تسيير القطاع وحكامته، مع التركيز على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ومزيد من الإصلاحات في نظام التعليم، وتحسين نوعية مرحلة ما بعد التعليم الأساسي ومقاصدها.
ويتلقى البرنامج الوطني لتطوير قطاع التعليم في موريتانيا تمويلا من الشركاء الأجانب، وخاصة الشراكة العالمية من أجل التعليم والصندوق الكويتي للتنمية، والبنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، وبرنامج الأغذية العالمي، والوكالة الفرنسية للتنمية، واليونيسيف، والتعاون الإسباني، واليونسكو.
ووفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء فإن حصة التهذيب من الناتج المحلي الإجمالي في موريتانيا تطورت من3.52٪ سنة 2002 إلى نسبة 4.43٪ في عام 2010 قبل أن تتراجع إلى 3.99٪ في عام 2013، أما نسبة الإنفاق على التعليم فقد ارتفعت من 8.18٪ من إجمالي الإنفاق العمومي سنة 2004 إلى 16.04٪ في عام 2010 قبل أن تتراجع إلى 11.41٪ في العام 2013.
وكان من المتوقع أن يصادق اجتماع 16/10/2010 على تقرير تنفيذ خطة العمل السنوية للعام 2015 وعلى خطة عمل 2016 -2018.
إن هذا الاجتماع مناسبة لإلقاء نظرة ولو خاطفة على التحديات الرئيسية التي تواجه نظامنا التعليمي، وخاصة تسيير الموارد البشرية وظروف المعيشة غير التحفيزية للمدرسين، وضعف مستوى نوعية التعليم الأساسي، وضعف مستوى مشاركة المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، وضعف التعليم قبل المدرسي، وضعف الوصول إلى التعليم الثانوي، وضعف الوصول إلى التعليم بالنسبة للأطفال غير المتمدرسين وضعف التدريب التقني والمهني، والأمية، الخ
الموارد البشرية وجودة التعليم
في عام 2011 أكد تقرير التقييم الفني للمرحلة الثانية منالبرنامج الوطني لتطوير النظام التربوي بغية تظهيره لمبادرة المسار السريع من قبل الشركاء الفنيين والماليين أن « جميع مؤشرات الجودة مقلقة في موريتانيا، في جميع مستويات التعليم، وأن الإصلاح اللغوي هو جزء من المشكلة، ولكن من المعروف منذ فترة طويلة أنه مجرد جزء منها. وقد ركزت الأجوبة التي قدمتها المرحلة الأولى من البرنامج أساسا (ا) على تحديث نظام التكوين الأولي للمعلمين (مدارس تكوين المعلمين)؛ (ب) تعزيز التكوين المستمر واللغوي والتربوي؛ (ج) تعزيز هيئة التفتيش. وما زالت النتائج مخيبة للآمال، وينبغي استكشاف سبل أخرى ذات صلة بنظام قيادة وتسيير النظام … وقد لوحظت نقاط الضعف في قيادة النظام التعليمي وتسييره في مناسبات عديدة، كما أن ردود الفعل محدودة على الإشارات المثيرة للقلق حول الجودة كالدرجات المنخفضة جدا في الامتحانات على سبيل المثال، أو انعدام النتائج في بعض المؤسسات. ويعرف تسيير الموارد البشرية الكثير من القصور، سواء تعلق الأمر بتحويلات المدرسين، غير المستقرة خلال العام الدراسي والتي لا تراعي أعداد التلاميذ المسجلين في المدارس، أو الاستخدام العقلاني لمهاراتهم اللغوية، وهي كلها عناصر ذات علاقة واضحة بالعجز في مجال النوعية …
ويعود هذا الضعف في القيادة في جزء منه إلى قلة الاهتمام منذ فترة طويلة بالإدارة الوسطى وبالإجراءات الروتينية المتكررة وبالإدارة اليومية، التي لم توضع لها قواعد كافية ولم تؤمن وتحترم بما فيه الكفاية، ويعود هذا الضعف في جزء آخر منه لصعوبة أن تُعْزى نتائج النظام السيئة لأداء وظيفة معينة من التسيير والتصرف وفق ذلك.
إن مواصلة تحسين الاستبقاء في المراحل المختلفة تعتمد على قدرة النظام على تحقيق تقدم في مجال إدارة موارده، لاسيما الموارد البشرية « .
وللظروف غير المحفزة للأساتذة تأثيرها، « المدرسون غير محفزين بسبب أوجه القصور في نظام التسيير، وكذلك بسبب رواتبهم المنخفضة »، حسب خطة عمل البرنامج الوطني لتطوير النظام التربوي 2012-2014.
في الوقت الراهن معدل الراتب (الصافي) للمدرس (الابتدائي والثانوي) أقل من مائة ألف أوقية (100000 أوقية = 264 يورو حسب أسعار البنك المركزي الموريتاني يوم 2015/10/17).
ومنذ سنوات عديدة لم تعد وظيفة المدرس بمنأى عن الحاجة إلى إنشاء فئات جديدة من المدرسين المتعاقدين أو المتطوعين.
وفي الواقع بدأت وزارة التهذيب الوطني منذ عدة سنوات في استخدام عدد كبير من المتعاقدين في التعليم العمومي (09.17٪ من المعلمين في المدارس الابتدائية و 18.68٪ من أساتذة المرحلة الثانوية وفقا لدليل الإحصاءات المدرسية 2013/2014، النسخة المؤقتة)، وذلك على الرغم من القانون 93-09 الصادر بتاريخ 18 يناير 1993 المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة الذي يحظر التعاقد مع حاملي شهادة ختم الدروس الإعدادية فما فوق (فئات أ، ب، ج)، وهؤلاء المتعاقدين الذين لم يتلقوا في الغالب أي تدريب تربوي لا يتلقون التعويضات والمكافآت والمزايا التي يتمتع بها المدرسون الرسميون، وبالتالي فإنهم يعيشون في ظروف أقل تحفيزا.
وقد اتخذت الحكومة هذا العام قانونا معدلا للقانون 93-09 رفع الحظر المفروض على التعاقد مع هذه الفئات من الموظفين، بمن في ذلك المدرسون، مما يجعل العديد من المراقبين يبدون تخوفهم من أن يتسبب هذا القانون في هشاشة العمل في الوظيفة العمومية بما في ذلك عمل المدرس.
كما أن المدرسين يشكون من عدم الشفافية في إدارة شؤون الموظفين، فعلى سبيل المثال ينتقدون المذكرة الأخيرة لتعيين مديري الدروس والمراقبين العامين هذه السنة 2015/2016، فقد اتخذت هذه المذكرة في غيابهم وفي غياب نقاباتهم.
وإذا ألقينا نظرة على نتائج البكالوريا 1974-2010 ونتائج 2014 المنشورة على موقع وزارة التهذيب الوطني نجد الجدول التالي:
السنة —- معدل الناجحين في البكالوريا
1974 —— 58.25%
1981 —— 33.26%
2002 —— 17.82%
2014 —— 13.21%
إشراك المجتمع المدني
وتؤكد خطة عمل المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتطوير نظام التعليم 2012 – 2014 أن « إنشاء إطار مؤسسي مناسب للشراكة مع مختلف الجهات الفاعلة المحتملة لسياسة التعليم، وخاصة المجتمع المدني والمجتمعات المحلية » هو واحد من « التدابير والإجراءات في إطار تعزيز القيادة المؤسسية « .
ولكن إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في إدارة النظام التعليمي لا يزال حتى الآن ضعيفا جدا، ومن مظاهر هذا الضعف على سبيل المثال عدم تمثيل المجتمع المدني في المجموعة المحلية لشركاء قطاع التعليم، على الرغم من المطالبة المستمرة لائتلاف المنظمات الموريتانية من أجل التعليم بهذا الإشراك، وتغييب المجتمع المدني ونقابات المدرسين (على الأقل الأكثر تمثيلا) عن لقاء 2015/10/16 يمثل مظهرا آخر من ضعف إشراك المجتمع المدني.
ضعف التعليم قبل المدرسي
إن التعليم قبل المدرسي مرحلة حاسمة في عملية التعلم المدرسي، فالتعليم ما قبل الابتدائي الرسمي غير موجود تقريبا، أما التعليم ما قبل المدرسي غير الرسمي فيتكون من مدارس تحفيظ القرآن ومراكز الرعاية المجتمعية (مبادرات نسائية لرعاية الأطفال أساسا)، ويتميز بعدم ملائمة أماكن العمل ونقص المعدات وتدريب القائمين على هياكلها وعدم وجود برامج للتوعية.
وتركز عناصر إستراتيجية المرحلة الثانية من البرنامج المتعلقة بالتعليم قبل المدرسي أساسا على الوصول « بما أن الهدف هو رفع نسبة الالتحاق الإجمالية للفئة العمرية 4-5 سنوات إلى 16٪ في عام 2020 (هذه النسبة كانت تقدر بنحو 5.2٪ في عام 2008). ».
وصول ضعيف إلى التعليم الثانوي
يشير التقرير الإقليمي لليونسكو لعام 2014 حول التعليم للجميع في البلدان العربية (المؤتمر الدولي حول التعليم للجميع، عمان، 12 -14 مايو 2014) إلى أن نسبة القيد الإجمالية في التعليم الثانوي بموريتانيا بلغت 23٪ في عام 2011.
ويشير التقرير النهائي لتقييم منتصف المدة لمشروع دعم المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتطوير النظام التربوي (PADP/PNDES II) في سبتمبر 2014 إلى أن نسبة القيد الإجمالية في التعليم الثانوي بلغت 29.5٪ للعام 2012-2013.
ووفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء، فإن معدل عمر الأطفال الموريتانيين في سن المرحلة الأولى من التعليم الثانوي غير الملتحقين بالتعليم بلغ 29.8٪ في عام 2012 و 42٪ في عام 2013.
ويؤكد الموقع الإلكتروني للشراكة العالمية من أجل التعليم أن نسبة إتمام مرحلة التعليم الثانوي الأولى كانت 20٪ في عام 2006 وأن هذه النسبة في نفس المستوى (20٪) في عام 2013.
الحصول على التعليم للأطفال غير الملتحقين بالمدارس
لقد شهد النظام التعليمي في موريتانيا تقدما كبيرا من حيث الحصول على التعليم الابتدائي، على الرغم من أن التقرير الإقليمي 2012 الصادر عن الاجتماع العالمي للتعليم للجميع في الدول العربية الذي عقد في باريس في فرنسا في الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر 2012 ذكر موريتانيا من بين بلدان ثلاثة » يواجه فيها نظام التعليم عقبات كبيرة ومعدل الالتحاق لا يتجاوز المتوسط الإقليمي: هذا هو الحال في جيبوتي وموريتانيا واليمن. ».
ووفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء، فإن معدل الأطفال الموريتانيين غير الملتحقين بالمدارس والذين هم في سن التعليم الابتدائي وصل إلى 37.5٪ في عام 2002، و 29.2٪ في عام 2010 و 26.7٪ في عام 2013 ؛ فيما نبه إلى أنه في حين تعطي البيانات الرسمية للعام 2007 معدل 25.5٪ من الأطفال الموريتانيين في سن التعليم الابتدائي غير الملتحقين بالمدرسة فإن بيانات المسح الأسري تعطى 41.9٪ لنفس العام.
ضعف التكوين الفني والمهني
في عام 2011 ألقت السلطات مشروعا مدته ثلاث سنوات للحد من البطالة وتعزيز تلاؤم التدريب المهني والتوظيف، ويتم تمويل هذا البرنامج من قبل الاتحاد الأوروبي ويغطي ثلاثة عشر تخصصا، من بينها البناء والميكانيكا والزراعة.
ويذكر التقرير الإقليمي لليونسكو لعام 2014 حول التعليم للجميع في البلدان العربية (المؤتمر الدولي للتعليم للجميع، عمان، 12 -14 مايو 2014) أن « الالتحاق بالتعليم الفني والمهني في موريتانيا يمثل 2.6٪ من مجموع المسجلين في برامج الثانوية في عام 1999. ».
وتؤكد « أكس بوست » التي تصدر عن الوكالة الفرنسية للتنمية في عددها رقم 27 سبتمبر 2009 والخاص بدراسة حالة موريتانيا: « ويلاحظ أيضا أن نتائج التكوين الفني والمهني والتعليم العالي مخيبة للآمال بشكل كبير بمعدلات التزام وصرف تبلغ 18.4 و 13.9٪ على التوالي. »
الأمية
التقرير الوطني للتنمية المستدامة 2012 الصادر عن الوزارة المنتدبة لدى رئيس الوزراء لشؤون البيئة والتنمية المستدامة ينبه إلى أنه « إذا كان وضع محو الأمية عرف تطورات إيجابية في السنوات الأخيرة، أدت إلى تحسين المعدل الإجمالي للإلمام بالقراءة والكتابة (61.5٪ في عام 2008)، فإنه لا يزال دون التوقعات، كما أن الفوارق لا تزال قائمة بين الرجال والنساء (70.3٪ و 54.4٪ على التوالي)، وبين مناطق الإقامة (73.3٪ في المناطق الحضرية مقابل 50.3٪ في المناطق الريفية). ».
ويشير تقرير التقييم الفني للمرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتطوير النظام التربوي الصادر في 1 أغسطس 2011، من أجل تظهيره لمبادرة المسار السريع من قبل الشركاء الماليين والفنيين أنه « من حيث الإلمام بالقراءة والكتابة سيركز البرنامج على تنفيذ البرامج التي تم وضعها خلال المرحلة الأولى من البرنامج، وأن الهدف هو خفض معدل الأمية الذي يصل في الوقت الراهن إلى 38٪ ».
التوصيات
ليس من اليسير صياغة توصيات وثيقة الصلة بالموضوع في غياب المعلومات عن التقارير وخطط العمل التي تمت المصادقة عليها مؤخرا.
ومع ذلك، فإن التوصيتين التاليتين من شأنهما الإسهام في نجاح البرنامج:
أ. ضمان مشاركة المجتمع المدني في إدارة البرنامج، وذلك بالسماح لمنظمات المجتمع المدني الأكثر تمثيلا بالانضمام إلى المجموعة المحلية لشركاء التعليم، حتى تتمكن من تقديم مساهمتها، خاصة عن طريق المتابعة والمساعدة والدعم والتوعية والاتصال والبحث، الخ.
ب. ضمان حضور مختلف الفاعلين الوطنيين في مجال التعليم (منظمات المجتمع المدني، المدرسون، التلاميذ، المسئولون الجهويون، وغيرهم من الشركاء الوطنيين) لمراجعات البرنامج من أجل تدارس واقع التعليم والمساهمة بفعالية أكبر في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي يتم تحديدها.
نواكشوط، في 19/10/2015
سيدي إدومو بديد،
رئيس ائتلاف المنظمات
الموريتانية من أجل التعليم